17 أكتوبر زغرد كاتم الصوت.. 20 عاماً على اغتيال الجبهة الشعبية لـ “زئيفي”

رام الله – بال بلس
 يصادف اليوم الذكرى العشرون لعملية 17 أكتوبر أبرز اغتيال في تاريخ المقاومة الفلسطينية، اغتيال الوزير الإسرائيلي “رحبعام زئيفي” ، الذي وقع في 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2001، والذي نفذته مجموعة من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، رداً على اغتيال أمينها العام أبو علي مصطفى.

بعد اغتيال أبو علي مصطفى، أمين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، كان لا بد من أن يكون الرد قاسياً، نظراً لاستمرار الاحتلال في الاعتداء على الشعب الفلسطيني في ذروة انتفاضته، مرت سنة على انطلاقها، في ذلك الوقت، أدى بهم إلى اغتيال مكانة سياسية وعسكرية كبيرة مثل أبو علي مصطفى، معتقدين أن الانتفاضة في هذه الحالة يمكن إخمادها.

ولكن ما لم يكن متوقعاً من قبل الاحتلال “الإسرائيلي” الذي نفذ العملية الجبانة، والتي ستكون شرارة لمرحلة قوية في تاريخ هذه الانتفاضة التي كان من الصعب القضاء عليها، وكان الرد قاسياً على الاغتيال الأول في الانتفاضة الثانية عندما نفذت جماعة مسلحة حكم الانتفاضة ضد الوزير “الإسرائيلي” رحبعام زئيفي.

17 أكتوبر العين بالعين

ظهر الأمين العام الجديد للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، أحمد سعدات، بعد أيام قليلة من اغتيال أمينه العام الأسبق أبو علي مصطفى، في حفل تخليدًا لذكرى سلفه، وأعلن عن بداية جديدة وابتكر عنوانًا لم يكن معروفًا في تاريخ الثورة الفلسطينية المستمرة منذ أكثر من خمسون عاماً في ذلك الوقت.

وقال سعدات: “لن نكون نداً للأعداء ولن نستحق احترام الشهداء ولن نحترم احترام شعبنا لشهدائه وقياداته وشيوخه وأطفاله ونسائه إلا إذا كان شعارنا هو العين بالعين، والسن بالسن، والرأس بالرأس، فعهدًا منا يا رفيقنا أبو علي، عهدًا لك يا قائدنا، يا بطلنا يا عنوان عزتنا، أن شعارنا لا يقل عن الرأس بالرأس”.

وأضاف سعدات في خطابه الشهير حينها ما أصبح يعرف برسالة مباشرة للجماعات المسلحة والجماهير: “هذا لكم يا كتائب الشهيد أبو علي مصطفى يا رجال المقاومة الشعبية”.

ولم يكن دور سعدات بعيدًا عن عملية الاغتيال البطولية، إذ كان من طلبها مسئولًا عن المتابعة مع شريكه القائد العام لكتائب الشهيد أبو علي مصطفى عاهد أبو غلمة، الذي كان يتابع مباشرة مع منفذي عملية 17 أكتوبر.

التخطيط لـ 17 أكتوبر

حمدي قرعان كان أنسب شخص تم اختياره للقيام بعملية تاريخية من شأنها إحداث ضجة كبيرة، وكتب عنواناً في تاريخ المقاومة الفلسطينية، اقترب منه مجدي الريماوي وطلب منه صورة شخصية لتجهيز هويات وجوازات سفر مزورة، فيما طلبوا منه زيارة فندق “حياة ريجنسي” الذي يزوره وزير السياحة “الإسرائيلي” “رحبعام زئيفي” حيث يسكن في إحدى غرفه التي كانت في وقت لاحق مسرحًا لقتله بعدة طلقات.

وبعد تخطيط وخطوات عدة، كان دور باسل الأسمر ومحمد الريماوي أن يشاركوا مع القرعان في العمل البطولي الذي جاء لتعليم الاحتلال درساً لاغتياله الأمين العام أبو علي مصطفى.

والتقى أعضاء خلية 17 أكتوبر برجل آخر إضافة إلى مجدي الريماوي الذي فوضهم رسمياً بتنفيذ العملية وخطط لها معهم، عرف في وقتها بـ “الرجل المجهول”، حيث التقوا به مرة واحدة فقط قبل تنفيذ العملية، وشرح لهم تاريخ المجرم “زئيفي” وهو صاحب فكرة “الترانسفير” وتاريخه المشؤوم، إضافة إلى تفاصيل العملية، ووجود الهدف “زئيفي” في مكان العملية، وخطة حياته داخل الفندق، ومواعيد رحيله.

وكان “زئيفي” من أكبر المؤيدين لضرورة تنفيذ فكرة “الترانسفير” في ذلك الوقت، وهي فكرة تقوم على خطط لتهجير الفلسطينيين من الأراضي التي يسيطر عليها الاحتلال بالكامل، وهي فكرة اليمين المتطرف.

تنفيذ عملية 17 أكتوبر

وصل أبطال العملية إلى فندق “حياة ريجنسي” دخل القرعان والأسمر غرفتهما بالفندق التي كانت محجوزة سابقاً بأسماء مستعارة وجوازات سفر مزورة وتركا مسدسيهما داخل السيارة التي كانت على باب الفندق.

وفي الصباح تأكدا من تواجد المجرم “زئيفي” في مكان الحادث، كما أبلغا سابقًا، الوزير “الإسرائيلي” يستيقظ ويتناول الإفطار في الفندق ثم يعود إلى غرفته قبل أن يغادر المكان، وهو الموعد المحدد للقيام بالمهمة البطولية.

وفي الساعة 5:30 فجراً أكد القرعان تواجد المجرم “الإسرائيلي” في الفندق بالتأكد من وجود سيارته أمام مكان الحادث، ثم رآه يتناول الإفطار مع أشخاص آخرين في حديقة الفندق، صعد سلم الطوارئ حاملاً مسدسات أخرجها من السيارة مع رفيقه الأسمر، ووصلت سيارة الريماوي إلى باب الفندق ليغادروا معاً بعد انتهاء المهمة.

وضع البطلان مسدسيهما على خصورهما ودخلا الفندق إلى موقع غرفة “زئيفي”، وتوجهوا إلى سلم الطوارئ وعلقوا ورقة تظهر أن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين نفذت جريمة قتل رداً على اغتيال الشهيد أبو علي مصطفى، بعد دقائق من الانتظار جاء “زئيفي” إلى غرفته وامتلأت معدته بالوجبة الأخيرة التي أكلها، وذهب إلى الغرفة 816، فأطلق البطل القرعان عليه الرصاص بعد أن أسمعه آخر كلمات ناداه بها “زئيفي … هيه”.

اقرأ /ي أيضاً: 54 عاماً على اغتيال تشي جيفارا زعيم الثورة والثوار

والعلامة فارقة في تاريخ المقاومة أحدثت عملية 17 أكتوبر ضجة كبيرة ورفعت صوت المقاومة الفلسطينية حول العالم، كاتم الصوت عند إطلاق الرصاص من قبل المقاومين سيكون أعلى من صواريخ طائراتهم التي قصفت أبو علي مصطفى في مكتبه في رام الله، وشعر أن اغتياله سيكون مؤلماً ويضعف الانتفاضة في ذلك الوقت.

وفي عملية 17 أكتوبر أثبتت الجبهة الشعبية أن يدها ويد الثورة طويلتان ويمكنهما الوصول إلى القتلة الصهاينة الرئيسيين والجنرالات والوزراء، وأظهرت المقاومة أن البطولة ممكنة دائمًا إذا توفرت الإرادة والكفاءة السياسية.

كما أثبتت عملية 17 أكتوبر الدناءة المعروفة سابقًا لهذا العالم، لكنها أكدت ذلك أخيرًا، بدءًا من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة التي انتقدت العمل البطولي الذي جاء انتقامًا لدماء الشهداء الفلسطينيين وأميرهم أبو علي مصطفى، فيما لم يدين البلدان مقتل أبو علي الذي نفذته مروحيات جيش الاحتلال في مبنى سكني، حيث تسبب في انفجار كبير أدى إلى مقتل الرجل وإصابة آخرين بجروح جراء انفجاره المروع في مكان الحادث.

التبني الرسمي

وأصدرت كتائب أبو علي مصطفى بيانًا رسميًا، أعلنت مسؤوليتها عن عملية 17 أكتوبر، قائلة: “قامت مجموعة الشهيد وديع حداد التابعة لكتائب أبو علي مصطفى باغتيال أحد رموز الكراهية الإسرائيلية، رحبعام زئيفي ، المؤسس لفكرة الترانسفير العنصرية”.

وأضاف البيان: “فليعلم الإرهابي شارون أن الدم الفلسطيني ليس رخيصاً، وأن من يستهدف قادة ومقاتلي الشعب الفلسطيني لن يفلت من أذى”.

وأكد البيان: “من الآن فصاعداً، سيكون المستوى السياسي الإسرائيلي برمته هدفاً لمجموعاتنا الخاصة، وسنعلمهم دروساً مؤلمة رداً على اغتيال القائد أبو علي مصطفى وأكثر من 60 مسلحاً فلسطينياً”.

القبض والمحاكمة

حاول جيش الاحتلال اعتقال من يعتبره مخطط العملية مجدي الريماوي الذي اقتحم من أجله بلدة بيت ريما قرب رام الله في 24 تشرين الأول (أكتوبر) 2001 وقتل عناصر من نقطة الحراسة فلسطينية، بينما مروحيات إسرائيلية قصفت البلدة وتقدمت قوات المشاة عبر بساتين الزيتون، وقتلت قوات الاحتلال خمسة من عناصر الأمن الوطني الفلسطيني عند مدخل القرية، وأصابت عددًا من الفلسطينيين بجروح وتركوهم ينزفون في بساتين الزيتون، وهدمت ثلاثة منازل لمن تعتبرهم مطلوبين، واعتقلت 11 فلسطينيًا، من بينهم اثنان من منفذي عملية 17 أكتوبر صالح علوي ومحمد فهمي الريماوي.

وقضت محكمة الاحتلال العسكرية بسجن حمدي قرعان ثمانية عشر عاماً بإطلاق النار على “زئيفي”، وباسل الأسمر 12 عاماً لمساعدته في العملية ومجدي الريماوي لثماني سنوات للتخطيط للعملية، والقائد عهد أبو غلمة، المسؤول عن الجهاز العسكري للجبهة الشعبية في الضفة الغربية بالسجن لمدة عام.