مراجعات حول قرار البرلمان البريطاني حظر حركة “حماس”

لندن – بال بلس
إنّ إقرار البرلمان البريطاني ومصادقته على قانون حكومته بتجريم حركة “حماس” وتصنيفها بـ”الإرهاب”؛ يضع علامات استفهام كثيرة حول التغيرات الرسمية والشعبية العالمية من الموقف من قضيتنا العادلة، ويشجعنا على مساءلة الذات الفلسطينية ومراجعتها حول التطورات الغير جيدة للقضية الفلسطينية.

فبعد قرار البرلمان البريطاني الأخير والذي صادق على قرار داخلية بريطانيا؛ أصبح لدينا 30 دولة في العالم تصنف الآن حركة “حماس” حركة “إرهابية”؛ ( أمريكا، والاتحاد الأوروبي (28 دولة)، وبريطانيا)، لكن هناك فرق بين كل تصنيف وآخر،فـ”أمريكا” تترك التعامل مع الحركة لـ”إسرائيل”، ولا تعترض على العلاقة فيما يراه الاحتلال مناسباً له من تفاهمات وتسهيلات، حتى ولو كان الأمر يتعلق بإدخال حقائب أموال.

أما الاتحاد الأوروبي فهو لا يتشدد في تطبيق القانون وملاحقة منتسبي “حماس” على أراضيه، رغم حكم المحكمة الأوروبية بإرهابية الحركة سابقاً، ويزور ممثلو الاتحاد الأوروبي غزة، لكنهم لا يلتقون بأعضاء “حماس” السياسيين.

وبريطانيا بقرارها الأخير؛ توعدت بمعاقبة من تثبت إدانته بالانتماء أو التأييد أو جمع التبرعات أو الاتصال بالحركة، بالسجن 14 سنة، والقرار دخل حيز التنفيذ منذ يومين، ولا نعلم من سيكون الضحية الأولى لهذا القرار.

فلم يعد أمام “حماس” إلا النشاط والعمل في الدول خارج الاتحاد الأوروبي، والتي لا تصنفها على قائمة الإرهاب، إن كانت تنوي استمرار العمل في أوروبا، مثل:

سويسرا، مقدونيا، مولدوفا، كوسوفو، البوسنة والهرسك، ألبانيا، موناكو، أندورا، سان مارينو، أيسلندا، الفاتيكان.

مراجعة ذاتية حول قرار البرلمان البريطاني حظر حركة “حماس”

فـلو استبعدنا الشماعة التقليدية؛ بأنّ الدول تُصنف حركات المقاومة بـ”حركات إرهابية” إرضاءً للاحتلال؛ فيمكن أن نترك لأنفسنا هامشاً للمراجعة الحقيقية لأنفسنا، ولأدواتنا ولأساليب مقاومتنا، بلغة المنطق والنقد، بعيداً عن التخوين والاتهام.

الحقيقة أن كيان الاحتلال الإسرائيلي قائم منذ عام 1948م منذ أكثر من سبعين سنة، لكن موجة التصنيف الأخيرة لم تنطلق إلا في السنوات الأخيرة، وازدادت حدّتها بعد عام 2014م، وربما تزداد أكثر في الشهور والسنوات القادمة، حتى تصبح كـ”البعير الأجرب” الذي ينفر منه كل العالم.

إن دولة “إسرائيل” لم تتغير منذ نشأتها خلال السبعين سنة السابقة؛ بإجرامها وعدوانها وظلمها لنا، رغم أن مقاومتنا كانت مستمرة؛ ولكن نحن الذين تغيرنا.

اقرأ أيضاً: هجرة العقول وآثارها المدمرة علينا

لم نعد مقنعين للعالم، ولم تعد مقاومتنا تجد قبولاً شعبياً، حتى عند مؤسسات “اليسار” في العالم، والتي كانت دائماً تقف معنا، ولا مؤسسات المجتمع المدني الأوروبي، فأين الاحتجاجات الشعبية البريطانية من داخل بريطانيا على قرار وزارة الداخلية البريطانية؛ وتصويت مجلس العموم؟ لا أحد تحرك شعبياً، أصبحت هناك موافقة شعبية على قرار البرلمان البريطاني قبل أن تكون حكومية رسمية.

يمكن تَفَهُّم أن يصدر قرار حكومي أو رئاسي من دولة ما بتصنيف حركة مقاومة بـ”حركة إرهابية”؛ لكن أن يصدر هذا القرار عن برلمان ومجلس عموم يمثل الشعب البريطاني في مجتمع ديمقراطي؛ دون أن يعترض هذا الشعب ومؤسساته المدنية! فهذا يعني أن القرار شعبي بالدرجة الأولى وليس سياسياً، وهذا أخطر ما في هذه القرارت على قضيتنا؛ أن تمرر من خلال المجالس النيابية.

يجب أن نعترف بأن الانقسام قد أضعف صورتنا وشرعيتنا في المجتمع الدولي في السنوات الأخيرة، وأصبحنا في نظره عصابات متناحرة ترتكب أفظع الجرائم بعيداً عن القانون.

مراجعة ذاتية حول داعيات قرار البرلمان البريطاني الأخير

ويجب الاعتراف أيضاً أن أسلوب المقاومة المتقطع والمرهون بتقديم تسهيلات مادية، جعلها أقرب إلى الابتزاز منها إلى المقاومة الشعبية؛ كان سبباً في ذلك قرار البرلمان البريطاني.

وأن عدم وضوح أهدافها المقاومة الوطنية، واستمرارها دون شروط؛ جعلها غير مقنعة للعالم، وأن حزبيتها، وعدم شمولها لجميع فئات الشعب، وعسكرتها بأدوات حربية، جعل العالم ينظر إلى شعبنا على أنه جيش، وليس شعباُ محتلاً.

اقرأ أيضاً: الاحتلال الإسرائيلي يعلن استضافته لمسابقة ملكة جمال الكون ديسمبر المقبل

من السهل المكابرة، وتجاهل الأسباب الحقيقية لتصنيف المقاومة على أنها “إرهابية”، لأن التجاهل سيكون الطريق الأسهل؛ والذي لا يتطلب مراجعات حقيقية وجادة، لكنه الطريق الذي سيشوه مقاومتنا التاريخية، في الوقت الذي يجب أن نكسب فيه كل يوم أصدقاء جدد.

من السهل الاستمرار في تسطيح القرارات الدولية وتسخيفها، لكن مع مرور الوقت سنجد أنفسنا دون أصدقاء ودون رواية عادلة وطاهرة وإنسانية، ودون قضية وطنية يتعاطف معها الشرفاء، سنجد أنفسنا محاصرين بلا سند، من السهل قصفنا وخلعنا دون أن يشفق علينا أحد.

المطلوب، وقبل فوات الأوان، وقبل أن تتسع مساحة الدول التي ترفضنا وتحاصرنا، أن نراجع أنفسنا مراجعة صادقة ووطنية، ولا نلقي كل اللوم على شماعة “إسرائيل”، قبل أن يفوت الوقت، فنحن ارتكبنا بحق أنفسنا أفظع الخطايا، وكان الانقسام أكبرها، والذي أخرجنا بعدها من عالم الرحمة والشفقة علينا.

نقلاً عن الأستاذ تيسير عبدالله