أصبح الاحتلال قوة مرعبة في المراقبة والتجسس على سكانه

رام الله – بال بلس
 أكد تقرير “إسرائيلي” ترجمه وقرأه المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار) أن الاحتلال الإسرائيلي أصبح قوة مرعبة في المراقبة والتجسس على سكانه.

التقرير الذي نشر في الملحق الاقتصادي لصحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، بعنوان أعيننا عليك نرى كل شيئ، يسلط الضوء على أنظمة المراقبة والتجسس الإسرائيلية الصارمة المستخدمة في الفضاء العام، والتي حولت الأخيرة إلى شيء مشابه للبرنامج العبري التلفزيوني “الأخ الأكبر”، يمكن رؤية وسماع المشاركين في أي مكان في المنزل الذي يقيمون فيه، من خلال وسائل المراقبة والتسجيل والتصوير التي يتم بثها في جميع أنحاء المنزل.

وينطلق التقرير من افتراض أن الاحتلال الإسرائيلي أصبح دولة المراقبة والتجسس بامتياز، نتيجة لعدد لا يحصى من الكاميرات ومنصات المراقبة والتجسس التي توثق تقريبًا كل خطوة من مواطنيها والمقيمين فيها، بالإضافة إلى كل حركة عبر الإنترنت والمعاملات المالية، يتم تخزين هذه المعلومات في قواعد بيانات ضخمة، معظمها غير خاضعة للإشراف، وقد تم بالفعل إساءة استخدام بعضها.

وبحسب التقرير، فقد تكثفت عملية المراقبة والتجسس في العامين الماضيين ،مع غرق الاحتلال ومؤسساته المختلفة في جنون المراقبة والتجسس، خاصة خلال أزمة تفشي وباء كورونا، حيث سعت السلطات المختلفة أو طالبت بتوسيع صلاحياتها وقدرتها على تعقب السكان.

وبدأ ذلك بتوظيف جهاز الأمن العام “الشاباك” بالمراقبة والتجسس على مرضى كورونا وتحديد المواقع وتصوير المعزولين في المستشفيات، وطلبت الحكومة من جهتها نقل كل هذه البيانات، إلى الشرطة، بعضها تم الكشف عن جهودهم لمراقبة نشاط مستخدمي الإنترنت على الشبكة.

وفي وقت لاحق، أبلغت وزارة الاتصالات الجمهور بأنها تعتزم طلب المعلومات الشخصية لأي مشترك يصل إلى الإنترنت من خلال كابل أو شبكة خلوية.

ثم اتضح جهود بنك “إسرائيل” في الحصول على جميع المعلومات المالية من الجمهور في حوزة شركات الائتمان والبنوك، وبين هذا وذاك، تم تمرير قانون “سيقيّد الأبرياء بالقيود الإلكترونية”.

ويقدم التقرير ملخصاً للوضع الحالي في الاحتلال الإسرائيلي، قائلاً إنه لا توجد وسيلة للتعبير عن الوضع الراهن سوى القول بأن إسرائيل أصبحت دولة المراقبة والتجسس الشاملة، حيث يتم تصوير كل شيء وتسجيله وتوثيقه، ثم فهرسته ومعالجته في قاعدة بيانات ضخمة، من قبل الجهات المختصة في مختلف المؤسسات المحلية والحكومية.

موضحاً أن كل ذلك يتم دون معرفة الغرض من ذلك، أو على الأقل كيف يتم استخدام هذه البيانات وما الغرض منها؟ وما هو الغرض من استخدامه؟ والأهم من يستطيع الوصول إليها وما هي القيود والشروط إن وجدت؟

ليصبح هذا الأمر أكثر أهمية بعد أن ثبت، في كثير من الحالات خلال السنوات القليلة الماضية، أن هذه البيانات قد تم استخدامها بشكل غير قانوني من قبل بعض أفراد الشرطة وأجهزة المخابرات لأغراض شخصية.

عين الصقر

وأشار التقرير إلى نظام المراقبة والتجسس”عين الصقر” الذي لم يشرع ليصبح قانوناً، ويرى أنه يمثل أحد أذرع جهاز المراقبة الإسرائيلي، ولكن ليس كل شيء، لأن هذا النظام يتجلى في صورته المعلنة والواضحة على الكاميرات الذكية وأجهزة المراقبة المختلفة المنتشرة في الفضاء العام الإسرائيلي (شوارع ، طرق ، متنوعة) وغيرها، التي يعمل بعضها في خدمة السلطات المحلية أو الجهات الرسمية في الدولة أو في خدمة التعاون القائم بين القطاعين العام الحكومي والخاص.

وأصدرت سلطة حماية الخصوصية في وزارة العدل بياناً أشارت فيه إلى أن إجراءات المراقبة والتجسس المذكورة أعلاه تنطوي على سلطة تأديبية وعقابية تؤثر بشكل كبير على سلوك المواطنين الخاضعين للمراقبة، مما يؤثر بشكل أساسي على قوانين الحريات العامة والخاصة في إسرائيل.

وجاء في التقرير أنه على الرغم من استجابة الجهات المعنية لطلب هيئة حرية المعلومات للحصول على تفاصيل حول الكاميرات في الأماكن العامة، إلا أنها رفضت تحديد عدد الكاميرات الموجودة، وأين توجد، ومتى تم تركيبها وكيف، أو حتى عدد المرات التي تم فيها استخدامها، وأين يتم التخزين  وكم المدة والتفاصيل الأخرى ذات الصلة، فقد تم تبرير هذا الرفض العام بمبررات أمنية، حيث استخدمت السلطات باستمرار نفس التبرير في مثل هذه الطلبات.

قواعد بيانات الشرطة: تحقق من مكانك حتى لو لم تفعل شيئًا

ويشير التقرير إلى ارتباط شرطة الاحتلال بالعديد من أجهزة المراقبة والتجسس، سواء كانت مصدق عليها أم لا، مثل نظامي “عين الصقر” و “مدينة بلا عنف”، بالإضافة إلى أنظمة الكاميرات في الفضاء العام التي يمكن الوصول إليها بسهولة.

ويشير المحامي “أفنير فينتشوك”، رئيس قسم حقوق الخصوصية التابع لجمعية حقوق الأفراد “الإسرائيلية”، إلى أن “هذا يضيف صورًا ضخمة وبيانات أخرى إلى قواعد بيانات الشرطة، فضلاً عن القدرة على الوصول إلى قاعدة البيانات “القياسات الحيوية الوطنية” في إسرائيل، على عكس يتم استخدامه في بلدان أخرى، حيث يحق للشرطة الوصول فقط إلى قاعدة بيانات القياسات الحيوية الخاصة بالشرطة، والتي تشمل المشتبه بهم والمتهمين والسجلات الجنائية وما إلى ذلك.

” فينتشوك”، الذي قدم التماساً قضائياً سابقاً ضد نظام المراقبة والتجسس “عين الصقر”، يطالب بالكشف عما يحتويه النظام وإمكانياته، ويشير إلى أن الأخير مشروع بوليسي يتضمن نظام مراقبة ضخم من الكاميرات تعمل منذ عام 2015، وتعمل على تعقب السائقين على الطرق السريعة من خلال لوحات ترخيص ومحاكمتهم، وما يميزها عن كاميرات المرور “التي يسنها القانون” التي تخزن فقط المركبات التي ترتكب مخالفات مرورية؛ تسجل كاميرات “عين النسر” كل حركة المرور على الطريق وتحتفظ بها في “القوائم السوداء”، على سبيل المثال ،المركبات المسروقة أو المركبات منتهية الصلاحية أو حتى أصحاب المركبات الذين انتهت صلاحية تراخيص قيادتهم، أو الأشخاص الذين تجتاحهم الشرطة للتحقيق في أي تفاصيل، سواء كانت صغيرة أو كبيرة.

وبحسب التقرير فإن الانتهاك الواضح يبرز هنا، من خلال قدرة الشرطة على الاحتفاظ بهذه البيانات إلى أجل غير مسمى، فضلاً عن قدرتها على استخدامها والرجوع إليها دون أي إذن قضائي، مما يجعل قاعدة البيانات هذه مستثناة من تطبيق “قانون حرية المعلومات”، الذي يستثني في البند رقم (14)، قائمة طويلة من وكالات إنفاذ القانون والأجهزة الأمنية الملتزمة به.

المراقبة والتجسس على القدس

ويشير التقرير إلى العديد من برامج ومشاريع المراقبة الأخرى، على سبيل المثال مشروع “نظرة 2000” الذي تم تفعيله في القدس المحتلة عام 2017، ويضم 540 كاميرا منتشرة في جميع أنحاء المدينة، وبعضها يحتوي على تقنية خاصة لتسجيل أصوات معينة مثل (الانفجارات، الطلقات النارية، الصراخ)… إلخ، لتتوجه الكاميرات إليه.

واقتبس ضابط شرطة رفيع المستوى قائلاً: “سيعمل هذا النظام كما هو الحال في الأفلام لن يكون هناك مواطن في المدينة خارج نظام المراقبة والتجسس”.

وكشف لاحقًا (في تشرين الثاني 2020) أن بعض الكاميرات في هذا النظام كانت تهدف إلى المراقبة والتجسس على خيمة الاحتجاج التي أقيمت أمام منزل رئيس الوزراء في الاحتجاجات الأخيرة ضد “بنيامين نتنياهو”.

(في استطلاع أجرته الشرطة عام 2018، اعترف حوالي 80٪ من ضباط الشرطة الذين شملهم الاستطلاع بأنهم استخدموا قواعد بيانات الشرطة لأغراضهم الشخصية، ونحو 6.3٪ من إدانات الشرطة بجرائم تأديبية كانت بسبب إساءة استخدام قواعد البيانات هذه).

ويشير التقرير إلى أنه بناءً على طلب قضائي، أعلنت وزارة الأمن الداخلي عن مشروع قانون عُرف فيما بعد باسم “قانون الكاميرا”، والذي بموجبه يكون للشرطة الحق المطلق في وضع الكاميرات في جميع الأماكن العامة، سواء كانت كاميرات ذكية المحمولة والثابتة، والكاميرات المفتوحة والسرية، بشرط أن يكون لضابط الشرطة الحق في التصرف في استخدامها وفقًا “لما يراه مناسبًا”، ولكن أيضًا يحق للشرطة دمج تقنيات مراقبة وملاحقة إضافية دون تنظيمها قانونًا أو إعلام الجمهور.

مدينة بلا عنف، مدينة بلا خصوصية

يشير تقرير “مدار” إلى مشروع “مدينة بلا عنف” الذي أطلقته وزارة التمكين وتعزيز المجتمع، والذي يتضمن نشر وتركيب مئات الكاميرات، إلى جانب تفعيل التقنيات التكنولوجية الأخرى التي تعمل على مدار 24 ساعة دون توقف، لتحديد العنف في الأماكن العامة، ونُفذت بالتعاون مع الشرطة في أكثر من 150 بلدة ومدينة، وتوسعت فيما بعد لتشمل المدارس وأماكن الترفيه والسياحة، و أن هذا المشروع، بحسب التقرير، “نُفِّذ دون تنظيم قانوني ملائم وبدون إطار تنظيمي يعالج مسألة الخصوصية”، كما جاء في تقرير صادر عن مركز الأبحاث والمعلومات في “الكنيست”.

في جيبك وحقيبتك: كم ربحت وماذا اشتريت؟

ويشير التقرير أيضًا إلى أن المراقبة والتجسس لا تتوقف عند الشوارع والطرق السريعة والأماكن العامة، بل تمتد أيضًا إلى السلوك المالي الخاص لكل مواطني كيان الاحتلال، حيث تم الكشف في أغسطس الماضي عن أن بنك “إسرائيل” قرر بناء قاعدة مالية، بيانات لجميع السكان، وجاء ذلك في خطاب موجه إلى البنوك وشركات الائتمان، حيث طلب بنك “إسرائيل” منهم تقديم معلومات كاملة عن عملائهم خلال السنوات السبع الماضية بحلول كانون الأول (ديسمبر) 2021، بما في ذلك أيضًا نفقات بطاقات الائتمان، واستخدام الشيكات والسحب النقدي والمسائل المالية الأخرى.

السيطرة على الهواتف والإنترنت

ويقول التقرير إن حكومة الاحتلال وافقت في عام 2007 على مجموعة من الإجراءات التي تمنح الشرطة وغيرها القدرة على الحصول على البيانات من شركات الاتصالات، وقد تم دمج ذلك في قانون “بيانات الاتصالات” بموافقة قضائية مسبقة أو بدونها.

وعلى الرغم من الاعتراض الذي أعربت عنه الشركات على أساس أن هذا يسهل الوصول إلى البيانات وينتهك خصوصية الناس، إلا أن المحكمة الإسرائيلية العليا، التي طُلب منها النظر في هذا الاعتراض في عام 2012، أكدت أن القانون مؤهل على الرغم من الاعتراف بأنه ينتهك الخصوصية.

كما ويشير التقرير إلى أن هناك مبالغة متزايدة في استخدام هذا القانون منذ ذلك الحين، والتي ترقى في بعض الأحيان إلى حد الانتهاك في عام 2020، على سبيل المثال، قدمت الشرطة 40677 طلبًا للحصول على بيانات الاتصالات، بزيادة قدرها 64٪ عن عام 2016، وتم منح الموافقة على جميع الطلبات، زادت طلبات المتابعة لمدة سنة أو أكثر بنسبة 140 في المائة، وفي الوقت نفسه، أصبحت ذرائع الطلبات متواضعة، وعدم اتباع التعليمات إهانة دينية،و انزعاج عام،و السرعة الزائدة انتهاك لإشارات المرور، وغيرها، مما يعني أن الشرطة قامت باختراق معلومات الاتصال بأشخاص لم يتم منحهم حق المرور للمشاة في الشارع.

وليس ذلك فحسب، حيث يؤكد التقرير أنه تم الكشف في يناير الماضي عن نية وزارة الاتصالات إنشاء قاعدة بيانات يتم جمعها من مزودي البيانات،” بيانات شهرية”، عن عادات استخدام الإنترنت، ومستخدمي التلفزيون والهاتف، بما في ذلك سرعة التصفح، والبيانات وحجم وقت المكالمات الهاتفية أو مشاهدة التلفزيون، على سبيل المثال.

وكل هذا فيما تقوم الشرطة والأجهزة الأمنية التابعة لإدارة الإنترنت بوزارة العدل بالمراقبة والتجسس على الشبكات باستمرار، ويشير التقرير إلى أن هذا النوع من المراقبة يشكل انتهاكًا صارخًا لحرية التعبير والتظاهر والحق في المشاركة السياسية.

الاحتلال يعطي إصبعًا، لكنه يريد اليد كاملة

كما يشير التقرير إلى أن أجهزة أمن الاحتلال، من خلال تغلغلها في جميع المؤسسات والقطاعات، تمكنت من بناء قاعدة بيانات ضخمة، من البيانات التي تم جمعها عن غالبية السكان في الكيان من خلال تقنية “البصمة” و “صورة الوجه” المستخدمة في أماكن العمل وعدة مطارات ومؤسسات حكومية وغير حكومية بعد استبدال النظام الورقي فيها لتنظيم عمل الموظفين والعمال والمسافرين… إلخ.

ويقول التقرير أن هناك حوالي 5.5 مليون صورة وجه و 3.8 مليون بصمة في قاعدة البيانات الحيوية هذه، والتي تحول كل شخص في كيان الاحتلال إلى ملف يتضمن بيانات تعريف مفصلة عنه، بما في ذلك التعرف على الوجه وبصمة الإصبع، وليس هذا فقط، ولكن هناك عملية جارية منذ عام 2018 لإنشاء قاعدة بيانات وراثية تسمى “فسيفساء” تم جمعها من صناديق المرضى لبناء أدوات للتنبؤ بالأمراض والوقاية منها.

ويصف “فينتشوك” أن عمل الهيئات الحكومية المختلفة في هذا المجال يتم وفقًا لطريقة الجدار والبرج ،حيث كانت بداية المشروع ثم فرض الحقائق على أرض الواقع، وبالتالي تمكنت معظم الجهات المحلية والحكومية من المضي قدماً في هذه المشاريع ومن ثم إعادة تشريعها بأثر رجعي في بعض الحالات.

ابتُليتْ الخصوصية بالوباء: فتحت كورونا الباب واقتحمت النافذة إلى الداخل

ويشير التقرير إلى أن إحدى المعضلات التي سببها وباء كورونا والتي واجهها الاحتلال كانت الموازنة بين إسكان المرضى لحماية الجمهور وانتهاك خصوصية هؤلاء المرضى، فالخصوصية في الكيان تحديداً ابتُليتْ بوباء المراقبة والتجسس، عندما كلفت الحكومة جهاز الأمن العام “الشاباك” للتحقق من موقع وتحركات المصابين، ونتيجة لهذا التوظيف، استخدمت الوكالة جميع تقنياتها الأمنية لتعقب المدنيين في داخل الكيان على الرغم من الجدل واسع النطاق.

اقرأ /ي أيضاً: تسريب “القائمة السوداء” السرية لـ فيسبوك، والتي تضم مؤسسات فلسطينية ورموزًا وطنية

ووفقاً للتقرير، فإن قدرة “الشاباك” على استخدام تقنية الأساور الإلكترونية لـ المراقبة والتجسس على العائدين إلى كيان الاحتلال للتأكد من امتثالهم للحجر الصحي جعلتها “الديمقراطية الوحيدة في العالم التي فرضت مثل هذه الإجراءات الصارمة للرقابة على مواطنيها”، بعد ذلك حصل الشباك على موافقة الحكومة لاستخدام هذه الإجراءات، وتم إدخال هذه التقنية في مارس الماضي، حيث اقتصر استخدامها حتى ذلك الحين على المراقبة والتجسس على تحركات المتهمين بارتكاب جرائم.