الاعتقال الإداري تحت المجهر

القدس المحتلة – بال بلس
يعرف الاعتقال الإداري في فلسطين بقيام سلطات الاحتلال باعتقال شخص دون أي تهمة بأمر من القادة العسكريين

لفترة أقصاها ستة أشهر (عدلت عام 1995 لتصل إلى عام) وتكون قابلة للتجديد فقد تستمر إلى أجل غير مسمى، حيث تمدد حكومة الاحتلال الاعتقال بعد انتهائه لمراتٍ عدة.

الأصل القانوني للاعتقال الإداري

بالرغم من أن الاعتقال الإداري معترف به دولياً إلا أن مفهومه الأصلي يختلف تماماً عن الذي تتعامل به قوات الاحتلال فقد جعل القانون الدولي له ضوابط وشروط فنص أن الحبس الإداري لا يتم إلا إن كان هناك خطر حقيقي يهدد الأمن القومي للدولة ويكون بشكل استثنائي وفردي.

وقد حذر من استخدام العقوبات الجماعية وقد جعل حقوق كثيرة للمعتقل منها حقه في معرفة أسباب اعتقاله والطعن في شرعية الاعتقال والحق في طلب المساعدة القانونية وتقديم مذكرات تتعلق بالمعاملة التي يتلقاها بل وميزته عن المعتقلين العاديين من حيث أماكن الاحتجاز فلا يعيش في زنزانة، ولا يلبس الزى الموحد ويتواصل تواصلاً شبه طبيعي مع أهله ويتلقى الرعاية الطبية اللازمة.

اقرأ أيضاً: بعد الفشل في سجن جلبوع.. تبادل اتهامات بين مسؤولين إسرائيليين أمام لجنة التحقيق

أما ما تفعله سلطات الاحتلال فهو مغاير تماماً لما نص عليه القانون الدولي، فالاعتقال الإداري يتلخص في المعاملة السيئة والتعذيب والإهمال الطبي المتعمد ومنع الزيارات العائلية  وتقييد الاتصال بالمحامين ويكون بأشكال عقوبات جماعية وذلك ما حذر منه القانون الدولي.

الاعتقال الإداري (وصفة سرية بنكهة إسرائيلية)

لا شك أن قانون الاعتقال الإداري من أكثر القوانين التي خدمت جيش الاحتلال وعملت على تلبية مصالحه، ويرجع ذلك إلى الشرعية التي استمدتها حسب قوله من المادة 101 حسب قانون الطوارئ البريطاني عام 9545 حيث كان قانوناً أصلياً في البلاد عندما تم احتلالها وبالطبع هذا كذب وافتراء لأن هذا القانون تم إلغاؤه عام 1948ويستدل من ذلك رسالة مؤرخة تفيد إلغاء هذا القانون.

ومما ساهم في تبرير الاعتقال الإداري البند 78 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تسمح باعتقال أشخاص ضمن الاعتقال الإداري في حالات شاذة.

ولما كانت تلك القوانين هي الشماعة التي يعلق عليها جيش الاحتلال أفعاله لم يكتف بذلك بل وأضاف أوامر عسكرية تجعل من المستحيل تفادي عملية الاعتقال ومنها تحويل الاعتقال الإداري لضباط أقل رتبة من قائد المنطقة مما أدى لارتفاع كبير في عدد المعتقلين الإداريين.

ومن الجدير بالذكر أن من حجج الجيش الواهية للاعتقال بدون تهمة موجهة أو دليل ملموس أن ذلك يستند على مواد سرية  لا يجوز الاطلاع عليها حفاظاً على سلامة المصدر أو الأسلوب الذي تم الحصول عليها من خلاله، وقد رافق ذلك موافقة من المحكمة العليا التي تستمد قراراتها من جيش المخابرات الإسرائيلي (الشين بيت).

لقد استغل جيش الاحتلال ذلك في اعتقال العديد من أصحاب الرأي العام والأكاديميين وأساتذة الجامعات وأعضاء النقابات الطلابية والمؤسسات الحقوقية بل وتجاوز الحد ليعتقل نواب في المجلس التشريعي وأعضاء الأحزاب السياسية أمثال “مروان البرغوثي وأحمد سعدات”، فلا يخفى علينا دهاء ومكر الاحتلال فهو لم يتوانى عن استخدام كافة الأساليب اللا إنسانية لقمع الإرادة الفلسطينية، فبالفعل نجحت وصفته السرية بالسكوت الدولي.

الاعتقال الإداري مسلسل لا نهاية له

لا يخفى على أحد أهوال التعذيب التي يتعرض لها المعتقل على الصعيدين الجسدي والنفسي فعلى الصعيد الجسدي تفنن جيش الاحتلال في استخدام كافة الأساليب الوحشية من ضرب وشبح وعزل إنفرادي ….إلخ

لكن من أعظم ما يواجهه المعتقل الضغط النفسي والاكتئاب والتوتر الناتج عن التفكير في التهم الموجهة إليه وأسباب اعتقاله.

وعن عدم وجود محامي للترافع عنه لأنه لا يعلم ما تهمته وإن وجد فلا تكون وظيفته إلا العمل على إيقاف عملية التجديد للحبس.

فقد تستمر الـ6 أشهر إلى عام والعام إلى 5سنوات وقد تتجدد المدة فمصيره مجهول المعالم وهناك الكثير ممن أطلق سراحهم، قد سجنوا إدارياً مرة أخرى، فلا وجود لقانون يردعهم، حيث مددت الاعتقال الإداري للنائب عن كتلة التغيير والإصلاح ووزير الأوقاف السابق الشيخ نايف الرجوب للمرة الخامسة على التوالي.

الإضراب آخر الحلول

احتج الكثير من الأسرى بدون تهم على تلك السياسة الجائرة، وفي ظل عدم الاستجابة لمطالبهم قرر العديد منهم  استخدام سياسة الإضراب يخطون بذلك حذو الشهيد الأسير عبد القادر أبو الفحم وهو أول من أضرب عن الطعام واستشهد على إثره ، وقد نجح العديد منهم في انتزاع حريتهم أمثال مقداد القواسمي وعلاء الأعرج وشادي أبو عكر ،ومؤخراً كايد الفسفوس الذي علق إضرابه عن الطعام بعد 131 يوم، وعباد الهريمي بعد 61 يوماً.

وأكدت هيئة شؤون الأسرى والمحررين اليوم الخميس، ارتفاع عدد الأسرى المضربين عن الطعام داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي إلى 3 أسرى، بعد انضمام الأسير (نضال مازن بلوط/ الخليل) إلى الأسيرين هشام أبو هواش ولؤي الأشقر.

كما خاض الأسرى إضرابات جماعية كان أهمها إضراب عام2012م، عندما أضرب حوالي ألف أسير عن الطعام لمدة 28يومًا من أجل وقف العزل الانفرادي والحد من الاعتقال الإداري ومطالب أخرى.

بعد ذلك تعهدت حكومة الاحتلال بالنظر في سياسة الاعتقال الإداري كسياستها المعتادة لإخماد الرأي العام .

الإطعام القسري

من أشد التحديات التي يتعرض لها المضرب عن الطعام (الإطعام القسري) وهو إدخال أنابيب عبر الأنف أو الفم عن طريق أنبوبة تصل مباشرة إلى المعدة عن طريق عمل فتحة جراحية في البطن أو عن طريق إدخال مواد مغذية عبر الوريد، ولهذه العملية أضرار جسمانية خطيرة للأنسجة والتسبب بالاختناق والوفاة أحيانًا.

أرقام وإحصائيات

ارتفعت حالات الحبس الإداري من عام 1967-1977م، ليشهد انخفاضًا ملموسًا بعد ذلك، ثم يعاود الارتفاع في الانتفاضة الأولى حيث وصل إلى عشرات الآلاف، فحسب إحصائيات نادي الأسير صدر خلال سنوات الانتفاضة الأولى نحو أكثر 19 ألفًا أمراً إدارياً.

أما خلال العام 2021 فقد سجلت أكثر من 500 حالة اعتقال إداري وفقاً لإحصائية أعدتها مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان.

وتعتقل إسرائيل في سجونها أكثر من 4 آلاف فلسطيني في 23 سجناً بينهم عشرات أمضوا أكثر من 20 عاماً و41 أسيرة و225 طفل، بحسب نادي الأسير الفلسطيني

حلول تفتقر الدعم

من خلال ما نلمسه من واقع الأسرى يكمن الحل الجذري في بناء استراتيجية فلسطينية متكاملة الأجزاء، وتكون أطرافها، “المنظمات والفصائل الفلسطينية والمنظمات الحقوقية والإنسانية والحركة الأسيرة من الداخل”.

إن تفكك الفصائل وضعفها أثر تأثيرًا كبيرًا في قضية الأسرى، كما أثر على ضعف التنظيمات داخل السجون بل وقد ألقت كامل المسؤولية فقط على المنظمات الحقوقية التي أخذت على عاتقها الكثير من الأدوار بعدما تعاظم دورها عما كان سابقًا.

فقد أصبحت توثق الانتهاكات وتقدم التقارير السنوية أمام مختلف اللجان الدولية وخاصة الأمم المتحدة والقيام بالعديد بالحملات الدولية، لكنها لا تستطيع القيام بذلك دون مساعدة القوى والفصائل الفلسطينية، فإذا تم التعاون بين تلك الجهات سوف يؤثر إيجابيًا على الأسرى داخليًا، وسوف تتحد مطالبهم ويعلو صوتهم

ومن الممكن خوض إضرابًا يعم كافة السجون المكتظة بالأسرى، ومن ثم تصل الصورة عالميًا لفضح انتهاكات سلطات الاحتلال وقد تتخذ تلك الإجراءات وقتًا طويلًا، ولكن مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة.