21 عاماً على استشهاد محمد الدرة.. كيف وقعت الجريمة التي لا يمحوها الزمن؟

غزة – بال بلس
على الرغم من مرور عقدين على إعدام “إسرائيل” للطفل الفلسطيني محمد الدرة في مدينة غزة، إلا أن مسرح الجريمة لم يتلاشى من ذاكرة عائلته.

يصادف يوم 30 سبتمبر الذكرى الـ 21 لاستشهاد الفتى محمد جمال الدرة البالغ من العمر 11 عامًا، الذي استشهد برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي أمام العالم أجمع.

الشهيد محمد الدرة

صدم فيديو صوره مراسل قناة تلفزيونية فرنسية يوم 30 سبتمبر 2000 العالم بمشاهد الإعدام الحي للصبي محمد الدرة الذي لجأ مع والده إلى برميل إسمنتي في شارع صلاح الدين مدينة غزة.

ووثق الشريط إطلاق النار المتعمد على الصبي ووالده، مما أدى إلى مقتل الصبي محمد الدرة وإصابة والده بجروح خطيرة.

يعتبر الطفل محمد الدرة من أهم رموز الانتفاضة الفلسطينية الثانية، حيث قُتل بعد يومين من اندلاعها في 28 سبتمبر 2000.

وخلال الانتفاضة الثانية، التي استمرت حتى أوائل عام 2005، قتلت إسرائيل حوالي 4400 فلسطيني وجرحت حوالي 50.000 شخص.

وكان اقتحام رئيس الوزراء الاحتلال الإسرائيلي الأسبق “أرييل شارون” لساحة المسجد الأقصى برفقة حراسه هو الذي أشعل شرارة اندلاع انتفاضة الأقصى.

محمد الدرة القصة من البداية

ولد محمد في 18 نوفمبر 1989 في مخيم البريج للاجئين الفلسطينيين وسط قطاع غزة نشأ في أسرة ثرية والتحق بالمدرسة الابتدائية في المخيم.

وقال والده جمال الدرة (56 عاماً) للمراسل الذي استقبله في منزله بمخيم البريج وسط قطاع غزة: “الشهيد محمد كان شجاعاً وقوياً وكريماً ولم يكن يحب الظلم، وكان يحب الخير للناس”.

وأضاف الدرة: “محمد الذي كان يحب السباحة وكرة القدم، كان يطمح لأن يكون قائداً للدفاع عن قضيته، حيث شهد جرائم الاحتلال قبل استشهاده”.

وفي 30 سبتمبر 2000 ذهب الأب جمال برفقة ابنه محمد لشراء سيارة كبيرة بدلاً من سيارة صغيرة كان يملكها في سوق معروف محليًا باسم “سوق السيارات” في حي الزيتون جنوب مدينة غزة.

لكن الحظ لم يكن معه، فلم يجد السيارة التي أراد شرائها وقرر العودة إلى المنزل مع ابنه.

وفي طريق العودة واجه جمال الدرة مظاهرات واشتباكات بين الشبان وقوات الاحتلال.

حيث تم إغلاق الطريق الرئيسي المؤدي إلى منزل الدرة بالكامل، مما اضطره هو وابنه إلى السير في طريق ترابي.

وعندما وصلوا إلى مفترق طرق في شارع صلاح الدين قرب مستوطنة “نتساريم” (التي تم تفكيكها ضمن خطة الانسحاب الإسرائيلية أحادية الجانب من قطاع غزة عام 2005)، فوجئ الأب وابنه بجيش الاحتلال الذي أطلق النار عليهم فجأة ودون سابق إنذار من جميع الجهات.

دفعت شدة النيران الإسرائيلية الأب والابن إلى الالتجاء وراء برميل إسمنتي قريب، وعلى الرغم من صيحات الأب المستمرة للجنود لوقف إطلاق النار، إلا أن ذلك لم ينجح.

محاولات حماية فاشلة

حاول جمال حماية ابنه محمد الدرة من الرصاص لكنه فشل، في البداية أصيب برصاصة في يده اليمنى، ثم أصيب في ركبته اليمنى، قبل أن يقتله الرصاص، ويصيب بطنه ويخترقه.

يقول جمال: “سأل محمد: لماذا يطلقون النار علينا؟ ولوّحت بيدي وصرخت لأوقفهم ولكن دون جدوى، الرصاص كان مثل المطر ولم أستطع حماية ابني”.

بعد عدة دقائق من إطلاق النار، نظر الأب إلى ابنه محمد فوجده يسبح في بركة من الدماء وسقط رأسه على قدمه اليمنى دون أي حركة أدرك أنه استشهد.

وفي تلك اللحظة بدأ الأب بالصراخ – وقد استنفدت قوته – بجملة أصبحت أيقونة لـ “بشاعة الجريمة الإسرائيلية”، قائلًا: “مات الولد، مات الولد”.

لحظة استشهاد الطفل محمد الدرة

ولم يكن الجنود الإسرائيليون في ذلك الوقت راضين عن كل هذه الجرائم المروعة، وأطلقوا صاروخاً على جمال ونجله، لكنه أصاب الرصيف فأخطأهم.

وقال جمال: “المشهد كان مؤلمًا، لكنه ليس جديدًا على الاحتلال، بسبب المجازر التي يرتكبها بحق شعبنا الفلسطيني وما زال يرتكبها”.

وأضاف إن “محمداً كان شاهداً وشهيداً على جرائم الاحتلال”.

ويتابع: “الاحتلال يرتكب مجازر وإرهاب، وهناك دول تطبع معه ما يدفعه لارتكاب المزيد من الجرائم بحق شعبنا”، في إشارة إلى التطبيع الأخير من قبل بعض الدول الخليجية والعربية لعلاقاتهم مع “إسرائيل”.

جريمة “إسرائيل” لم تتوقف عند مقتل محمد الدرة فخلال الحرب على قطاع غزة عام 2008 قصفت طائرات الاحتلال منزل عائلته، وجددت قصفه مرة أخرى خلال الحرب على قطاع غزة عام 2014 دون سبب.

أم محمد الدرة تستذكر حادثة الاستشهاد

أمل الدرة، 54 عاماً، والدة الشهيد محمد الدرة، تستذكر أحداث يوم استشهاد ابنها.

تقول: “كان ذلك اليوم عادياً في البداية حضرت الفطور وأكلنا جميعاً بعد ذلك خرج محمد ليلعب مع أبناء الجيران أمام المنزل”.

وأضافت: “بعد ساعات قليلة، أخذه والده إلى سوق السيارات، وطمأنني ذلك، لأنني في ذلك الوقت كنت أخشى أن يذهب إلى مظاهرات يومية ضد الاحتلال في ذلك الوقت خلال الانتفاضة الثانية”.

وقالت “بينما كنا نشاهد أحداث الاشتباكات مع القوات الإسرائيلية على شاشات التلفزيون، فوجئت برؤية إطلاق النار على ابني ووالده”.

وتابعت: “في البداية كنت متأكدة أن زوجي وابني كانا في مكان الحادث، لكن عمتي التي كانت تزورني شككت في الأمر وصدقتها، ولكن سرعان ما وصلتنا أنباء استشهاد محمد وأن زوجي أصيب بالرصاص”.

وتضيف أمل: “صدمت عندما سمعت النبأ رأيت ابني يقتل على شاشة التلفزيون قتل بدم بارد”.

أمل الدرة تزور قبر طفلها محمد

الاحتلال يتهرب من جريمته

وبرّأت “إسرائيل” نفسها من دم الطفل محمد الدرة بقرار من اللجنة الحكومية الإسرائيلية في قضية التحقيق في مقتل الدرة، على الرغم من أن القناة التلفزيونية الفرنسية أدانتها بالأدلة.

وقالت اللجنة التي تشكلت عام 2012 برئاسة وزير الدفاع الإسرائيلي “موشيه يعلون”: “خلافاً لما تم نشره حتى الآن من أخبار تتهم “إسرائيل” بقتل الطفل محمد الدرة، لا يوجد دليل على أن درة ووالده جمال قتلا برصاص الجيش”.

اقرأ /ي أيضاً: انتفاضة الأقصى بعد 21 عام.. كيف بدأت وماذا كانت نتائجها؟ بالفيديو والصور

أما التقرير الذي نشرته القناة الفرنسية الثانية، والذي كان سبب تشكيل اللجنة الإسرائيلية، فقد اعتبره التقرير الإسرائيلي “غير صحيح، لكنه جاء ليخلق الانطباع بأن محمد الدرة اغتيل على يد الجيش الإسرائيلي”.

وأثار إعدام الطفل محمد الدرة على يد الجيش الإسرائيلي، مشاعر الغضب بين الفلسطينيين في كل مكان، مما دفعهم للتظاهر بغضب، وأسفرت الاشتباكات مع الجيش الإسرائيلي عن مقتل وإصابة العشرات.

المصدر