اليسار الإسرائيلي: الهزيمةُ في أفغانستان جزء من تفكك الامبراطورية الأمريكية

رام الله – بال بلس
كتب “يوأف حيفاوي” في الموقع اليساري “سيحا مكوميت”، ما شاهدناه في كابول – أفغانستان كان تعبيراً عن انهيار الكولونيالية الأمريكية، سيؤثر على إسرائيل التي تعتمد على هذا الاستعمار في نهاية الأمر من ذلك، حتى لا يتعلقون بعجلات الطائرات الأمريكية المغادِرة، على اليهود هنا أن يغيروا اتجاههم .

بينما تستمر إسرائيل بشعور من الراحة المستحيلة في سياساتها القمعية الاحتلالية والصراعات على مختلف الجبهات، يتغير العالم الكبير من حولها . الولايات المتحدة التي أعلنت فقط قبل ثلاثين عاماً أنها المنتصر الأكبر من الحرب الباردة وأنها القوة العظمى الوحيدة التي تملي ما تريد على النظام الدولي، تخسر للتو في الحرب الأطول منذ تأسيسها.

هذه الهزيمة في أفغانستان ليست حدثاً محلياً أو معزولاً، إنها جزء من أزمة عميقة في نظام السيطرة الأمريكي في الساحة المحلية والدولية، يضاف إلى الأزمة المالية العالمية 2007-2008 النابعة من الفساد وغياب الرقابة على النظام المصرفي الأمريكي ، وإلى أزمة النظام السياسي الذي ظهر أمام العالم بشكل مثير للسخرية مع مهزلة الرئيس ترامب ، لفشل الدولة وتهربها من الدفاع عن مواطنيها من فيروس كورونا ، وأزمة القوميات والأعراق وغير ذلك .

لم يكن سبب الفشل الأمريكي نابعاً من عدم توفر الوسائل، الوقت أو الجهود ، وليس بسبب القوة الكبيرة للعدو الذي قاتلها..بسبب إحباطه يحاول الرئيس بايدن إلقاء اللوم على أدواته في الحكومة الأفغانية والجيش الأفغاني، بقوله أنهم فاسدين وأنهم لم يقاتلوا..
لكن هؤلاء الفاسدين نصّبتهم الولايات المتحدة على أفغانستان من خلال استخدامها للقوة العسكرية الوحشية، لذا ما هو مدى استقامة هؤلاء السياسيين الذين يسيطرون على شعبهم تحت رعاية حراب المحتلين الأجانب؟

الجنود الأفغان الذين شغلتهم الولايات المتحدة وسلحتهم ودربتهم تكبدوا آلاف القتلى وعشرات آلاف الجرحى أضعاف الجنود الأمريكيين والغربيين، ولكن كالعادة من وجهة نظر الغرب القتلى الأفغان – سواء كانوا أعداءً أو مدنيين أو حلفاء – لا قيمة لهم ولا يتم إحصاءهم، كل من يعرض حياته للخطر في خدمة الإمبريالية لا يستحق الحصول على تذكرة سفر ومكانة لاجئ لينقذ حياته وحياة أبناء عائلته .

المشاهد المروعة في مطار كابول والرفض الغربي لاستيعاب المتعاونين الذين عرضوا حياتهم للخطر في خدمتهم تشكل الدليل الدامغ على الطبيعة الحقيقية للحرب، أن الغرب لم يأتي إلى هنا للدفع قدماً بحقوق الإنسان أو مكانة المرأة أو نشر الديمقراطية في أفغانستان لقد جاء خدمةِ لتكريس نظام عالمي يعتبر فيه تفوق البيض والعنصرية القاعدة الأساسية له، لكن في هذا الأثناء بدأ العالم يتحرك والآن هو في مكان آخر ما نراه اليوم أمام أعيننا ليس فقط سقوط الإمبراطورية الأمريكية إلا فصلاً مهماً في نهاية مرحلة امتدت لمئات السنوات سيطرت خلالها أقلية من القوى الكبرى على أكثرية الشعوب في العالم عبر القوة العسكرية – حقبة الاستعمار.

هذا هو السبب في الفشل الأمريكي في الحروب الكبيرة التي خاضتها في فيتنام والعراق وأفغانستان.
تحاول الولايات المتحدة استبدال وسائل السيطرة العسكرية بالوسائل الاقتصادية.. نسمع بشكل يومي تقريباً عن عقوبات جديدة تفرضها الولايات المتحدة على كل من يناقشها أو لا ينصاع لاملاءاتها .

لكن الاقتصاد الأمريكي يخسر بسرعة مكانته باعتباره الاقتصاد الرئيس في العالم ، وأصبحت الصين شريكاً تجارياً رئيساً لعدد متزايد من الدول، قبل وقت قصير من استيلاء طالبان على السلطة أعلنت الولايات المتحدة أنها ستفرض حصاراً اقتصادياً عليها في حال استولت على السلطة، لم يكترث قادة طالبان الذين اعتادوا إلقاء القنابل العنقودية عليهم لهذا التهديد . ومن أجل تطوير الأوضاع الاقتصادية عندهم قاموا بفتح قناة اتصال مع الصين.

مليارات أنففتها الامبراطورية الأمريكية على أفغانستان

لم أستطع أن أجد بيانات دقيقة ولكن يمكن التقدير بأن أكثر من مئة مليار دولار من أصل اثنين تريليون دولار أنفقتها الولايات المتحدة على احتلال أفغانستان واستمرار الاحتلال تم استثمارها في الخدمات الاستخبارية، وعلى الرغم من ذلك لم يكن للرئيس الأمريكي أي فكرة حول ما يحصل على الأرض، قبل أيام قليلة من إخلاء السفارة الأمريكية في كابول أعلن أنه لن يكون هناك إخلاء بالطائرات العمودية من سطح مبنى السفارة كما حصل في سايغون.

في نهاية الأمر كل المشاهد من سايغون تكررت مرة أخرى بشكل شبه تام مع فرق بسيط هذه المرة كل شئ تم تصويره من كل زاوية ممكنة وتم عرضه على جميع القنوات في بث مباشر.

نحن نعيش في عالم يتوافق مع التوقعات للمستقبل، لذلك عندما أعلنت الولايات المتحدة أن جيش المرتزقة التابع لها في أفغانستان سيصمد على الأقل تسعين يوماً بعد انسحاب القوات الأجنبية كان من الواضح أن أي جندي أفغاني عاقل لن يعرض حياته للخطر في حرب التسعين يوماً لكي ينقذ شرف أولئك الذين تركوه وحيداً.

إسرائيل هي قاعدة أمامية في نظام الهيمنة الأمريكية/الغربية في الشرق الأوسط، هذه السيطرة أفلست منذ بعض الوقت، وهي مستمرة بفعل عوامل القصور الذاتي فقط.

تستند الاستراتيجية السياسية/العسكرية الإسرائيلية منذ سنوات على محاولة توريط الولايات المتحدة في حرب ضد إيران في الوقت الذي تجد فيه الولايات المتحدة صعوبة في التعافي من الأضرار التي تسببت بها لنفسها نتيجة الحروب في العراق وأفغانستان.

التحالفات التي أبرمتها إسرائيل مع أمراء الإمارات، وملك البحرين، والجنرالات مجرمي الحرب في السودان هي جزء من الحروب الخاسرة لأولئك الذين يحاولون وقف تقدم المنطقة نحو المزيد من الديمقراطية والمساواة.

الشعوب العربية وباقي شعوب المنطقة بدأت عملية تغيير تاريخي هائل الضخامة تم وقفه مؤقتاً من خلال القمع الفتاك وإشعال الصراعات القومية والطائفية من قبل أولئك الذين يريدون منع التغيير، من أجل الحفاظ على نموذج الفيللا في الغابة هناك من يعمل بشكل منهجي لإبقاء الغابة في حالتها المتوحشة، غابت القضية الفلسطينية عن الاهتمام الإسرائيلي السياسي على اعتبار أن أحداً لا يهمه مصير الفلسطينيين،

إقرأ أيضاً: مظاهرات أمام البيت الأبيض رفضاً لزيارة نفتالي بينيت

إسرائيل منغمسة في عملية القمع والمصادرة اليومية ولا أحد ينشغل في البحث عن الحلول، في المقابل تنهار الهيمنة الأمريكية من حولنا والعالم العربي في حالة شلل تام في مواجهة الأزمة العميقة لحركة التغيير، الثورة والثورة المضادة، في إسرائيل التي توجد في عين العاصفة لم يتغير شئ وحولها قوى مصممة تمسك راية النضال على مستقبل المنطقة بقوة لقد حان الوقت للبدء في التخطيط والاستعداد لمرحلة ما بعد الاستعمار الأمريكي في الشرق الأوسط.

بالنسبة لليهود الذين يعيشون في البلاد حان الوقت أن يدركوا أن المسألة موضوع النقاش لم تعد فقط القضية الفلسطينية فهي أيضاً مسألة وجودهم في المنطقة . فعلياً هاتان المشكلات متداخلتان الواحدة بداخل الأخرى، المرحلة الاستعمارية في العالم على وشك الانتهاء والمغامرة الصهيونية تقترب من نهايتها.

قد تختار إسرائيل أن تنهي كل شيء بالنار وسحب الدخان في حرب نووية، أولئك الذين يعتبرون حياتهم مهمة لهم، يمكنهم الهروب من المنطقة قبل أن يضطروا إلى توسل مكان لهم على متن آخر الطائرات.

أو بدلاً من ذلك يجب على أولئك الذين يعتقدون أنه من الممكن أن تدار الحياة بطريقة مختلفة أن يعملوا على وضع الأسس لنظام سياسي واقتصادي واجتماعي آخر، وإلغاء نظام الفصل العنصري والتفوق الأبيض وإقامة دولة ديمقراطية تضم كل مواطنيها.

ترجمة: معاوية علي موسى