هجرة العقول وآثارها المدمرة علينا

هجرة العقول بقلم: عبد القادر حسونة – بال بلس

شابّ أردني اسمهُ أيهم، يريد تأمين مصاريف دراسته فبدأ عملهُ بتوصيل الطلبات على دراجة هوائية نجحت فكرته، فكتبت عنه الصحف وفاز بجوائز للريادة، والتقاه جلالة الملك، وامتدحهُ فطمح لترخيص مشروعه، وبالفعل قام بترخيص مشروعه وحصل على سجل تجاري، لم يمضي شهر حتى اتصلت به هيئة تنظيم قطاع الاتصالات، وذلك لحثه على دفع مبلغ فاق الألف دينار، لأن مشروعه يشبه خدمات البريد، لم يأبه أيهم بطلب موظف هيئة الاتصالات، ليتفاجأ بعد وقت قصير باتصال هاتفي من الهيئة يبلغه فيها أنه عليه مخالفة مالية تقدر ب 10 آلاف دينار أردني، وذلك لتخلفه عن دفع ترخيص مشروعه.

ما هو الدافع وراء هجرة العقول؟

هنا تنتهي الأحلام بكل بساطة وهذا واقع شبابنا العربي، ومثال أيهم هو واقع لكل شباب طموح يحلم أن يعيش بكرامة، وأن يٌكوٍّن أسرة في بلده، وما يعانيه الشباب اليوم، هو الدافع الأول والأساسي لهجرة العقول والأيدي المهرة من وطننا العربي، وهو يعد كارثة كبيرة للعديد من الدول وخاصة العربية.

لبنان هي إحدى الدول العربية تشتهر هجرة العقول وشبابها نظراً لارتفاع نسب البطالة وانخفاض مستوى الفرد، فأصبحت الدولة تعتمد على إيرادات العمالة الخارجية لشبابها، وما أن اجتاح فيروس كورونا العالم، حتى تبينت المصيبة، حيث توقفت الحوالات المالية من الشباب لذويهم في لبنان نظراً لتوقف العمل في مختلف دول العالم، وهو ما تسبب بانتكاسة إقتصادية كبيرة للبنان، لم تتعافى منها حتى اللحظة، فهي ما زالت وإلى اللحظة تعاني من مشاكل جمعة خاصة في مجال الطاقة.

ولم تقتصر مشاكل لبنان بسبب هجرة شبابها إلى هذا الحد فقط، بل تسببت الهجرة في تدهور جودة الخدمات التعليمية والصحية بسبب رحيل المعلمين والعاملين في مجال الصحة، المدربين تدريباً عالياً، مما أدى إلى تخلف المؤشرات الصحية نسبياً عن متوسط دول آسيا، مما يعنى خسارة الأشخاص ذوى التعليم العالي وضياع الأموال العامة المستثمرة في تعليم وتدريب من يهاجرون لا سيما المهاجرين الدائمين مما يجعل الدول المتلقية للعمالة تتمتع بمكاسب سد عجز سوق العمل دون دفع تكلفة تعليم تلك العمالة.

اقرأ /ي أيضاً: نظرة المجتمع للمخطئ، ” مَن كان منكم بلا خطيئة “

وبشكل عام يمكن تقسيم أسباب هجرة العقول لجانبين، أسباب ترجع لمزايا الدول المتقدمة أو المتلقية للعمالة، وأسباب ترجع إلى ظروف الدول الأم والتي غالباً ما تكون دولاً نامية، وتتمثل أهم مزايا الدول المتقدمة في توافر الآفاق الاقتصادية الأفضل، والوظائف ذات الأجور المرتفعة، ومستوى معيشة أفضل، ونظام تعليمي حديث ومتقدم، والحرية الفكرية، وظروف عمل وفرص مناسبة، والاستقرار السياسي النسبي، والجودة العلمية والثقافية، وتوافر الخبرة لدعم الموظفين، والتقدم التكنولوجي، وإمكانات توظيف أكبر، أما على جانب الدولة الأم فتعد أهم أسباب هجرة العقول منها هي نقص فرص العمل والبطالة، والفقر وانخفاض الأجور ونقص البحوث وغيرها من المرافق والتمييز في التعيين والترقية، والرغبة في الحصول على مؤهلات أعلى، والافتقار إلى ظروف عمل مُرضية، والفقر التكنولوجي.

وهنا يجب القول على أنه من الضروري جداً وضع جامعة الدول العربية استراتيجية عربية للتعامل مع هذه المشكلة الحيوية، وأخذ الأمر مأخذ الجد، واعتبار هذه القضية “قضية أمن قومي عربي”، لأنها أصبحت ظاهرة مستفحلة، كما أن الدراسات والإحصاءات الرسمية وغير الرسمية، تُـشير إلى أن هجرة العقول في ازدياد مطَّـرد، وليست في تراجع أو تناقص، والمجتمعات العربية، أصبحت بيئات طاردة للكفاءات والأدمغة العِـلمية العربية، وليست جاذبة أو ‏حاضنة.