نظرة المجتمع للمخطئ، ” مَن كان منكم بلا خطيئة “

نظرة المجتمع للمخطئ بقلم الداعية عبد الحميد الضابوس – بال بلس
في زمن عيسى عليه السلام ارتكبت امرأة من بنى إسرائيل الفاحشة ” خطيئة ” وعند انتشار خبرها اتجه الناس نحو بيتها وانهالوا عليها بالسب والشتائم ووصفوها بأقذر الأوصاف.

ثم جاؤوا بها بعد ذلك إلى نبي الله عيسى عليه السلام، لكي يقيم عليها حد الرجم نظر سيدنا عيسى إلى القوم فرأى أنهم قد تهيئوا لتنفيذ الحكم، ورأى نظرات الاحتقار والكره والحقد لهذه المرأة في عيونهم، فقال لهم بكل هدوء: “مَن كان منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر”.

أمام نبي الله وفي خضم هذا الحدث كان لزاماً على كل الحاضرين الحانقين أن يعيدوا حساباتهم ويراجعوا انفسهم عم الصمت في المكان، وخفتت الأصوات، وبعد لحظات بدأت الحجارة تتساقط من أيديهم واحدًا تلو الآخر، فما من أحد منهم إلا وفي نفسه جانب مظلم و خطيئة لو علمه الناس لعله يضعه في مقام تلك المرأة وربما أسوأ.

طبعاً أنا لا أقصد تعطيل حد من حدود الله ولا انتقاده بل لا بد من المحاسبة العادلة والمتكافئة لمرتكب الـ خطيئة لأن من أمن العقوبة أساء الأدب كل ابن آدم خطاء…

هل المجتمع بلا خطيئة حتى نحكم على بعضنا؟

كثيراً ما نبني على الناس أحكامنا، انطلاقًا من تفسيرنا لأفعال أو أقوال بدرت منهم فنجعل هذا من الصالحين وذاك من الفاجرين انطلاقًا من موقف واحد ناسين أو متناسين أن كل ابن آدم خطاء له خطيئة وإننا لسنا ملائكة معصومين ولا نحن شياطين لا نعرف الصّلاح، وإنما النفس البشرية مزيج من الخير والشر لها نصيب من كليهما.

بل وإن نصيب النفس من الذنب أو الـ خطيئة يعد ظاهرة صحية (إن جاز القول) لأن الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام قال: “لَوْلَا أَنَّكُم تُذْنِبُونَ لَخَلَقَ الله خَلقًا يُذنِبُونَ، فَيَستَغفِرُون الله، فَيَغفِرُ لَهُم”، والحديث لا يعني أبداً التشجيع على معصية الله، والتجرؤ عليها.

فالذنب مهما كان بسيطًا لا يمكن استصغاره وكما قيل لا تنظر إلى صِغَرِ ذنبك، ولكن انظر إلى عِظَمِ من تعصيه وإنما يبين الحديث أن النفس أمّارَة بالسوء وتميل إلى ما مُنِعَت وأن الله سبحانه وتعالى قضى في سابق علمه أنه لابد عن وقوع الذنوب وارتكاب الـ خطيئة حتى تظهر آثار مغفرته ورحمته سبحانه..

لأنه جل وعلا لو لم يكن هناك ذنوب وخطيئة لما تجلي معنى اسمه العَفُوّ والغَفُور والتَّوَّاب فلطفًا بالعباد ولا تكونوا عَونًا للشيطان عليهم ولنتذكر قول رب العالمين ﴿قُل يا عِبادِيَ الَّذينَ أَسرَفوا عَلى أَنفُسِهِم لا تَقنَطوا مِن رَحمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغفِرُ الذُّنوبَ جَميعًا إِنَّهُ هُوَ الغَفورُ الرَّحيمُ﴾.

اقرأ أيضاً: رأس السنة الهجرية دلالات وأحكام 1443

فليتنا نعامل الناس كما نحب أن نعامل وبدل الخوض في عيوب وخطيئة غيرنا، لنتذكر عيوبنا وستر الله لنا، الذي لولاه لخجل الواحد منا أن ينظر في وجه اخيه، فليس على هذه الأرض من ليس له خطيئة إلا الأنبياء المعصومين، ولعلنا لسنا أفضل حالًا ممن ننظر إليهم بازدراء واحتقار.

الدين المعاملة..

وحديثي هذا ليس مقتصراً فقط على المعاصي والذنوب والـ خطيئة التي يقترفها الإنسان في حق الله ولكن كلامي هذا يشمل كل ما نراه سيئًا من سلوك الناس ومعاملاتهم لان الدين المعاملة ومن لم تصلح معاملاته لا يصلح دينه ولنتذكر أنه من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه.

فمن ترك الحقد والغل عوضه الله طمأنينة النفس ونقاء السريرة وكما قالوا”كُن جَميلا ترى الوجود جميلًا”

بل علينا أن نتعلم كيف نحب الناس ولو كرهنا بعض أفعالهم فالأصل أن لا نبغض العاصي وأنما نبغض معصيته فإن اقلع عنها زال سبب بغضه “فلكل جواد كبوة” والله يَخلُقُ كيف يشاء لا كما نشاء نحن.

كن داعياً للخير…

وختاماً، يجب أن لا نعطل فريضة الأمر بالمعروف وتقديم النصح ما استطعنا إلى ذلك سبيلا لأن (الدِّين النَّصِيحة) كما قال رسول الله ﷺ وأن نسلك في ذلك سبيل النبي صلوات ربي وسلامه عليه الذي قال له ربه: ﴿ادعُ إِلى سَبيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةَِ﴾

واجعل نصيحتك سرًا بينك وبين أخيك مرتكب الـ خطيئة، لأن (آفة النصح أن يكون جهراً) وإياك أن تشعره بأنك أفضل منه فذلك يشعره بالمنقصة فلا يقبل نصحك فرحم الله من أَهْدَى إلينا عيوبنا، والنصيحة من أخيك هي بمثابة هدية ساقها الله إليك.

ورحم الله الشافعي حيث قال:” لِسانُكَ لا تَذكُرْ بِهِ عَورَةَ امرئٍ ــ فَكُلُّكَ عَوراتٌ وللنّاس ِ ألسُنُ وعَيناكَ إنْ أبدَتْ إليكَ مَعايِبًا ــ فَدَعها وَقُلْ يا عَينُ للنّاسِ أعيُنُ”