رأس السنة الهجرية دلالات وأحكام 1443

السنة الهجرية : بقلم الداعية عبد الحميد الضابوس – بال بلس

منذ نعومة أظفارنا ومنذ أن امسكنا القلم، تعلمنا أن هنالك شيء أسمه التاريخ، توثق به الأيام والأحداث وكان التاريخ في الماضي له نكهة مختلفة نكهة العزة والكرامة، كنا نكتب في رأس الصفحة مثلا: اليوم 1 محرم 1443 الموافق 10/8/2021 ( السنة الهجرية )

اتخذ التاريخ الهجري ( السنة الهجرية ) منذ فجر الإسلام رمزًا للاستقلالية بل رمز لريادة الدولة الإسلامية للتاريخ وللعالم، فأضاف ذلك لعزها عزًا ولقواعدها رسوخًا وتثبيتا.

قرابة ألف وثلاثمئة عام بسطت الدولة الإسلامية نفوذها على العالم فنشرت في الأرض الأمن والأمان والعدل والإحسان والحب والسلام، ونشرت دين الله وشريعته فكان ذلك سببًا في ازدها الدنيا بكل أشكال الخير.

تميز المسلمون بعد نشر دينهم بالرقي والحضارة، تفوقوا في العلم بكل جوانبه الطب والهندسة والفلك والرياضيات والأدب والفن، وملأ المسلمون بفضل الله أركان الأرض حضارة وثقافةً وعلمًا حتى أصبحت لغة القران رمزًا للتطور والعلم والثقافة.

فكان الأوروبي يتفاخر في الحديث بالعربية ليظهر أنه مثقف ومتعلم بل وكان الشاب الإنجليزي أو الفرنسي أو الأسباني وغيرهم يتباهى أمام حبيبته بأن يقول لها أنا أحبك باللغة العربية دلالة على علمه وثقافته.

واستمرت عزة الإسلام ما بقيت دولة الخلافة التي كانت حاضنة لتاريخ الأمة وعزتها وكرامتها، حتى فطن شياطين الأرض إلى فكرة تدمير هذه الحاضنة وإلغاء الخلاقة الإسلامية فاجتمعت كل قوى الشر في الأرض وعملوا عليها حتى أصبحت أمرًا واقعًا، ألغوا الخلافة وعطلوا التاريخ الهجري، وبدلوا اللغة وغيروا الحروف وقسموا الدولة الواحدة حتى أصبحت إثنين وخمسين دولة وبدأ التراجع عن استخدام التاريخ الهجري حتى لم يعد المسلمون يعرفونه إلا في أيام رمضان وموسم الحج.

متى بدأ التقويم الهجري ( السنة الهجرية )؟!

في العام السابع عشر للهجرة وفي عهد أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، توسعت دولة الإسلام وانتشرت في الأرض وأصبح لها امارات ومكاتبات وأصبح هناك ديوان للمظالم والحقوق؛ فصار لزاما أن تتخذ تاريخا للتدوين، ولقد بعث أبو موسى الأشعري أمير البصرة في حينه يقول يا أمير المؤمنين تصلنا منكم الكتب مؤرخة في شعبان، فلا نعرف شعبان الحالي من السابق فاجتمع أمير المؤمنين بمستشاريه وناقشوا الأمر وأجمعوا على أن يتخذوا تاريخًا، واتفقوا على أن تكون هجرة النبي ( السنة الهجرية ) هي بداية هذا التاريخ لأنها رمز لإقامة الدولة.

لماذا الأشهر القمرية ؟!

كانت بداية التاريخ من اختيار المسلمين، أما نظام التاريخ فهوا اختيار من الله سبحانه وتعالي ومن المعلوم أن الله جل جلاله قد وضع نظامين لحساب الزمان نظام شمسي بفصوله الأربعة لحساب وقت المطر والزرع والحصاد وأمور الدنيا والمعاش، ونظام قمري لحساب وقت العبادات من صيام وحج وزكاة.

وقد حدد الله هذا النظام للإسلام وأنزله في القران الكريم حيث قال جل جلاله إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا في كتاب الله، يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم، وذكر ذلك النبي صلي الله عليه وسلم في الحديث حيث (قال إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنى عشر شهرًا منها أربعة حرم ذي القعدة وذي الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان)، وقال الله أيضًا (ويسئلونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج).

وقد اتخذ العرب في الجاهلية هذه الأشهر لحساب الزمان للحج ولسائر حياتهم دون تحديد السنة، وفي اتخاذ الأشهر القمرية لاحتساب زمان العبادات حكمة عظيمة من الله منها أن السنة القمرية أقل بأحد عشر يومًا وثلث عن السنة الشمسية، وعليه فأن زمن العبادات الموسمية يتغير كل عام فالصيام يتقدم كل عام حتى فاذا مرعلى المسلم ثلاثة وثلاثين عامًا مكلفًا بالصيام فإنه يكون قد صام رمضان على مدار العام، وكذلك الحج فإنه على مدار الزمان تجد أن في كل يوم من أيام السنة وافق فيه الحج، ولله الحكمة البالغة ولله الأمر من قبل ومن بعد.

اقرأ أيضاً: عندما نُعي إلى الزير سالم مقتل كليب أخيه، لهول الصدمة، سألهم: هل مات كله؟!

مشروعية الاحتفال بـ السنة الهجرية ..!!

في مطلع كل عام يكثر الجدل حول مشروعية الاحتفال برأس السنة الهجرية ؛ فيخرج علينا من يحرم ذلك ويعتبره من البدع المستحدثة بذريعة أن النبي صلي الله عليه وسلم قد أقر للمسلمين عيدين الفطر والأضحى وأنه لا يجوز اتخاذ غيرهما أعيادًا، والواقع أن إحياء رأس السنة الهجرية والاحتفال بها وبغيرها من المناسبات الهامة في الإسلام كالمولد النبوي الشريف والهجرة النبوية الشريفة وفتج مكة المكرمة وذكرى معركة بدر وغيرها من المحطات الهامة في تاريخ الأمة يعتبر (مستحبًا) إن لم أقل (واجبًا) لأن فيها إحياء لمواطن عزة الدين والأمة وتذكير بتاريخ يكاد أن يندثر بل إن أمة لا تحترم ماضيها لن يكون لها حاضرًا ولا مستقبلًا.

تتعالى الأصوات لتبدع وتحرم وربما تكفر من يحتفل برأس السنة الهجرية بالمديح النبوي وذكر الله والبهجة المباحة بينما لا نسمع لهم أصواتا عند الاحتفالات التي تعم البلاد العربية والإسلامية بعيد ” الكريسمس” الذي لا يمت لديننا بصلة، والتي نرى فيها من مظاهر الفرج والبهجة والبذخ وإنفاق ملايين الدولارات إضافة إلى الاحتفالات على المستوى الرسمي والشعبي الممنهج حتى يكاد البعض يظن أنه ليس في بلاد المسلمين.

ماضينا هو مجدنا الذي عليه يؤسس حاضرنا رفعة وعزة مستقبلنا.

رأس السنة الهجرية